[img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][b]
<P align=justify>
<P align=justify>
<P align=justify>
إذا
ذُكرت الجاهلية ، سرعان ما تقفز إلى الأذهان تلك الصورة السوداء ،
والمليئة بمشاهد الاستضعاف للطبقة العاملة والمملوكة ، والهضم المستمر
لحقوقها ، والنظرة الدونية التي يُنظر بها إلى أصحابها ، والمواقف التي
تنطق بالاحتقار والكراهية ، واعتبار أن هذه الفئة من البشر ليست سوى آلات
لم تُخلق إلا لخدمة أسيادها ، حتى أصبح الحديث عن حقوقهم مجرّد حلم يداعب
الخيال ويُنسي مرارة الحرمان .
كان
ذلك حتى أشرقت شمس الإسلام بمبعث خير الرسل – صلى الله عليه وسلم - ،
والذي جاء برسالة الهدى والحق ، والخير والعدل ، ليعيد الحقوق إلى تلك
الفئة المهضومة ، ويعيد لها اعتبارها ، من خلال الآداب والتوجيهات التي
تجلب النفع لها ، وتدفع الضر عنها .
وكم
كان الأثر عظيماً في نفوس من تعاملوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – من
العبيد ، فقد استطاع أن يأسر قلوبهم ويملك مشاعرهم بسماحة أخلاقه وكريم
شمائله ، ولننظر إلى قصّة [color:08a7=maroon]زيد بن حارثة [/color]رضي
الله عنه مولى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فقد استقرّ في بيته عليه
الصلاة والسلام قبل البعثة ، وظلّ هناك يقوم على خدمته ويرعى شؤونه ، حتى
بلغت الأخبار إلى والده بوجوده عند النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فانطلق
مسرعاً إليه ، وطلب منه أن يرد ولده ، فنظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى [color:08a7=maroon]زيد [/color]وقال : [color:08a7=green]( إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت فانطلق مع أبيك ) [/color]، ولم يطل اختيار [color:08a7=maroon]زيد [/color]رضي
الله عنه ، فلم يكن ليفضّل عليه أحداً ، فقال : بل أقيم عندك ، فسُرّ
النبي – صلى الله عليه وسلم – من موقفه فقرّر أن يتبنّاه ، وهكذا عاش [color:08a7=maroon]زيد [/color]رضي الله عنه عيشةً هانئةً راضية ، ينسبه الناس فيقولون : [color:08a7=maroon]زيد بن محمد [/color]حتى أبطل الله عادة التبني ، والقصة مذكورة في معجم [color:08a7=maroon]الطبراني [/color].
والذين
تشرّفوا بخدمة النبي – صلى الله عليه وسلم - من العبيد والإماء وغيرهم من
الأحرار جمعٌ كبير ، ويمكن العودة إلى كتاب " زاد المعاد " للإمام [color:08a7=maroon]ابن القيم [/color]لمعرفة أسمائهم ، حيث عقد فصلاً بيّن فيه أسماءهم جميعاً .
وإذا
تتبعنا التوجيهات والحقوق التي قرّرها النبي – صلى الله عليه وسلم –
للموالي والخدم فسنعرف مقدار الاهتمام الذي حازته هذه الفئة في شريعة
الإسلام ، فقد جعل لهم حقّاً في المأكل والمشرب والملبس ، ودعا عليه الصلاة
والسلام إلى إشراكهم في الجلوس ، فقال في وصيّته الشهيرة : [color:08a7=green]( إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]، وصحّ عنه عليه الصلاة والسلام قوله : [color:08a7=green]( للمملوك طعامه وكسوته ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]أحمد [/color]، وينقل لنا [color:08a7=maroon]جابر بن عبد الله [/color]رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يوصى بالمملوكين خيراً ويقول : [color:08a7=green]( أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم من لبوسكم ، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]في الأدب المفرد ، وفي المشاركة في الجلوس قال عليه الصلاة والسلام : [color:08a7=green]( إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه ، فإن لم يقبل فليناوله منه ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]في الأدب المفرد .
ويؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة الإحسان إلى الخدم والعبيد ، وأن ذلك من أبواب الصدقة فيقول : [color:08a7=green]( وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]أحمد [/color]، وجاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : عندي دينار ، فقال له : [color:08a7=green]( أنفقه على نفسك ) [/color]، قال : عندي آخر ، فقال له : [color:08a7=green]( أنفقه على زوجتك ) [/color]، قال : عندي آخر ، فقال له : [color:08a7=green]( أنفقه على خادمك ، ثم أنت أبصر ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]في الأدب المفرد .
ولما كان الخدم وغيرهم من الضعفاء مظنّة الهضم والظلم ، شدّد النبي – صلى الله عليه وسلم – على تحريم أكل أموالهم أو تأخيرها فقال : [color:08a7=green]( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]ابن ماجة [/color].
وسلك
النبي – صلى الله عليه وسلم – مع هؤلاء مسلك التعليم والإرشاد ، والابتعاد
عن التوبيخ والتقريع تجاه ما يصدر منهم من هفوات بشريّة لا يسلم منها أحد ،
يقول [color:08a7=maroon]أنس [/color]رضي الله عنه : خدمت رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، والله ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أفًّ
قط ، ولا قال لي لشيء فعلته : [color:08a7=green](لم فعلته ) [/color]، ولا لشيء لم أفعله : [color:08a7=green]( ألا فعلته ) [/color]، رواه [color:08a7=maroon]أحمد [/color].
كما نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن تكليف الموالي بالأعمال فوق طاقتهم ، فقال : [color:08a7=green]( لا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color].
وإبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية من ضرب الموالي وتعذيبهم ، نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك فقال : [color:08a7=green]( ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]في الأدب المفرد ، وقال عليه الصلاة والسلام : [color:08a7=green]( لا تضربوا المسلمين ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]أحمد [/color].
وكان عليه الصلاة والسلام يعظ أصحابه إذا رآهم يعتدون على مواليهم بالضرب ، كما حصل مع [color:08a7=maroon]أبي مسعود الأنصاري [/color]رضي الله عنه حين ضرب غلاماً له ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم - : [color:08a7=green]( اعلم [color:08a7=maroon]أبا مسعود [/color]، لله أقدر عليك منك عليه ) [/color]، فقال [color:08a7=maroon]أبو مسعود [/color]رضي الله عنه : يا رسول الله ، هو حر لوجه الله ، فقال له : [color:08a7=green]( أما لو لم تفعل لمسّتك النار ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]مسلم [/color].
وقد
جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – ضرب الموالي بغير حقٍ ذنباً يستوجب
الكفارة ، وجعل الكفارة هي العتق ، قال – صلى الله عليه وسلم - : [color:08a7=green]( من ضرب غلاما له حداً لم يأته – أي بغير حدٍ - أو لطمه ، فإن كفارته أن يعتقه ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]مسلم [/color]، وأمر عليه الصلاة والسلام [color:08a7=maroon]سويد بن مقرن [/color]بإعتاق خادمة له قام بضربها ، فقيل له : ليس له خادم غيرها ، فقال : [color:08a7=green]( فليستخدموها ، فإذا استغنوا خلوا سبيلها ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color]في الأدب المفرد .
ومن الآداب اللفظية التي جاء التنبيه عنها ، النهي عن استخدام ألفاظٍ في حق الموالي والخدم لا تليق إلا بالله عزوجل ، فقد روى [color:08a7=maroon]أبو هريرة [/color]رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : [color:08a7=green](
لا يقل أحدكم : أطعم ربك ، وضّئ ربك ، اسق ربك ، وليقل : سيدي ، مولاي ،
ولا يقل أحدكم : عبدي ، أمتي ، وليقل : فتاي ، وفتاتي ، وغلامي ) [/color]متفق
عليه ، والسبب في النهي أن حقيقة الربوبيّة لله تعالى ؛ فمنع المضاهاة في
الاسم ، ومثلها العبوديّة ، فالمستحقّ لها حقيقةً هو الله جلّ وعلا ، فنُهي
عن ذلك لما فيه من تعظيم لا يليق بالمخلوق .
وفي
تزويج النبي – صلى الله عليه وسلم – لعددٍ من أصحابه الموالي رسالةٌ
واضحةٌ في أن العبرة والمعوّل عليه إنما هو الدين والخلق والتقوى ، بغضّ
النظر عن المكانة الاجتماعيّة ، فقد زوّج مولاه [color:08a7=maroon]زيد بن حارثة [/color]بقريبته [color:08a7=maroon]زينب بنت جحش الهاشمية [/color]رضي الله عنهما ، وزوّج [color:08a7=maroon]أسامة بن زيد [/color][color:08a7=maroon]بفاطمة ينت قيس القرشية [/color]، فكان هذا النموذجان أسوة للأمة من بعده.
وكما
قرّر النبي – صلى الله عليه وسلم –الحقوق ، بيّن في المقابل الواجبات التي
ينبغي على المملوك أو الخادم مراعاتها ، فقال عليه الصلاة والسلام مذكّراً
وناصحاً : [color:08a7=green]( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ) [/color]رواه [color:08a7=maroon]البخاري [/color].
وهكذا
حيثما قلّبت النظر في سيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – تجد الكمال في
الأخلاق ، والعدل في الأحكام ، والحلم في التعامل ، فصلوات الله وسلامه
عليه .[/b]