[center][color:d26f=Black]معنى الذل والافتقار وكيف يحققهما العبد المسلم؟
[/color]
[font:d26f=Times New Roman][color:d26f=Black][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [/color][/font][color:d26f=Black][b][size=16][font:d26f=Times New Roman]السؤال : قرأت في كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم : يحكى عن بعض العارفين : دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها ، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام ، فلم أتمكن من الدخول ، حتى جئت باب الذل ، والافتقار
، فإذا هو أقرب باب إليه ، وأوسعه ، ولا مزاحم فيه ، ولا معوق ، فما هو
إلا أن وضعت قدمي في عتبته : فإذا هو سبحانه قد أخد بيدي ، وأدخلني . "
مدارج السالكين " . فما هو الذل ، والافتقار
، المقصود هنا الذي يوصل لهذا المقام العظيم ؟ يعني : هل يوجد في عبادة
بعينها أكثر من أي عبادة ؟ فوالله محتاجون ، ضعفاء إيمانا . والله المستعان
.
الجواب :
الحمد لله
أولا:
الحكمة من خلق الإنسان هي : عبادة الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) الذاريات/ 56 .
وأركان العبادة هي : كمال الذل والخضوع ، مع كمال المحبة ، لله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله :
[/font][/size][/b][b][size=16][font:d26f=Times New Roman]وعبادة الرحمن غاية حبه ** مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ** ما دار حتى قامت القطبان
" النونية " ( ص 35 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله أيضا - :
والعبادة تجمع أصلين : غاية الحب ، بغاية الذل والخضوع
, والعرب تقول : " طريق معبد " أي : مذلل ، والتعبد : التذلل والخضوع ،
فمن أحببته ولم تكن خاضعا له : لم تكن عابدا له , ومن خضعت له بلا محبة :
لم تكن عابدا له ، حتى تكون محبا خاضعا .
" مدارج السالكين " ( 1 / 74 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( [/font][/size][/b][b][font:d26f=Times New Roman][size=16]48973 [/size][/font][/b][b][font:d26f=Times New Roman][size=16]) .
فتحقيق الذل إذا يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده ، والعبد ذليل لربه تعالى في ربوبيته ، وفي إحسانه إليه .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
فإن تمام العبودية هو : بتكميل مقام الذل والانقياد ، وأكمل الخلق عبودية : أكملهم ذلا لله ، وانقيادا ، وطاعة ، والعبد ذليل لمولاه الحق بكل وجه من وجوه الذل
، فهو ذليل لعزه ، وذليل لقهره ، وذليل لربوبيته فيه وتصرفه ، وذليل
لإحسانه إليه ، وإنعامه عليه ؛ فإن من أحسن إليك : فقد استعبدك ، وصار قلبك
معبدا له ، وذليلا ، تعبد له لحاجته إليه على مدى الأنفاس ، في جلب كل ما
ينفعه ، ودفع كل ما يضره .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 289 ) .
قد يظهر الذل في عبادة أعظم منه في عبادة أخرى , وأعظم العبادات التي فيها عظيم الذل والخضوع لله هي : الصلاة المفروضة , والصلاة ذاتها تختلف هيئاتها وأركانها في مقدار الذل والخضوع فيها ، وأعظم ما يظهر فيه ذل العبد وخضوعه لربه تعالى فيها : السجود .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
لفظ " السجود " ، فإنه إنما يستعمل في غاية الذل والخضوع ، وهذه حال الساجد .
" جامع الرسائل ، رسالة في قنوت الأشياء " ( 1 / 34 ) .
ثانيا :
أما الافتقار إلى الله فهو مقام عال يصل إليه العبد من طرق كثيرة ، لعل أبرزها : العبودية ، والدعاء ، والاستعانة والتوكل .
1. فإذا تحصل العبد على مقام الذل لربه تعالى : ظهر مقام الافتقار ، وعلم أنه لا غنى له عن ربه تعالى ، بل صار مستغن بربه عن غيره ، فكمال الذل ، وكمال الافتقار : يظهران في تحقيق كمال العبودية للرب تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله :
سئل محمد بن عبد الله الفرغاني عن الافتقار إلى الله سبحانه ، والاستغناء به ، فقال :
" إذا صح الافتقار إلى الله تعالى : صح الاستغناء به ، وإذا صح الاستغناء
به : صح الافتقار إليه ، فلا يقال أيهما أكمل : لأنه لا يتم أحدهما إلا
بالآخر " .
قلت : الاستغناء بالله هو عين الفقر إليه ، وهما عبارتان عن معنى واحد ؛ لأن كمال الغنى به هو كمال عبوديته ، وحقيقة العبودية : كمال الافتقار إليه من كل وجه ، وهذا الافتقار هو عين الغنى به .
" طريق الهجرتين " ( ص 84 ) .
2. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى : الدعاء ، وخاصة بوصف حال الداعي ، كما قال موسى عليه السلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) النمل/ 24 ، وكما قال تعالى عن أيوب عليه السلام : ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) الأنبياء/ 83 , وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلنى إلى نفسى طرفة ، عين وأصلح لى شأنى كله ، لا إله إلا أنت) رواه أبو داود (5090) ، وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
والمقصود هنا : الكلام أولا في أن سعادة العبد في كمال افتقاره إلى ربه ، واحتياجه إليه ، أي : في أن يشهد ذلك ، ويعرفه ، ويتصف معه بموجب ذلك ، من الذل ، والخضوع ، والخشوع ، وإلا فالخلق كلهم محتاجون ، لكن يظن أحدهم نوع استغناء ، فيطغى ، كما قال تعالى ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) .
" مجموع الفتاوى " ( 1 / 50 ) .
3. ومما يظهر فيه مقام الافتقار إلى الله تعالى : حين يستعين العبد بربه ويتوكل عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
إذا
تبين هذا : فكلما ازداد القلب حبا لله : ازداد له عبودية ، وكلما ازداد له
عبودية : ازداد له حبا ، وفضله عما سواه ، والقلب فقير بالذات إلى الله من
وجهين : من جهة العبادة الغائية ، ومن جهة الاستعانة والتوكل ، فالقلب لا
يصلح ، ولا يفلح ، ولا ينعم ، ولا يسر ، ولا يلتذ ، ولا يطيب ، ولا يسكن ،
ولا يطمئن ، إلا بعبادة ربه وحبه ، والإنابة إليه ، ولو حصل له كل ما يلتذ
به من المخلوقات : لم يطمئن ، ولم يسكن ؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث
هو معبوده ، ومحبوبه ، ومطلوبه ، وبذلك يحصل له الفرح ، والسرور ، واللذة ،
والنعمة ، والسكون ، والطمأنينة .
وهذا لا يحصل له إلا باعانة الله له ؛ فإنه لا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله ، فهو دائما مفتقر إلى حقيقة : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
" العبودية " ( ص 97 ) .
والعبد مفتقر إلى الله تعالى في كل شيء ، في خلقه ووجوده وفي استمراره
وحياته ، وفي علومه ومعارفه ، وفي هدايته وأعماله ، وفي جلب أي نفع له ، أو
دفع أي ضرر له ، وهذا هو معنى : "لا حول ولا قوة إلا بالله" .
نسأل الله تعالى أن يغنينا بالافتقار إليه .
والله أعلم
[/size][/font][/b][b][font:d26f=Times New Roman][size=16]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][/color] [font:d26f=Times New Roman][color:d26f=Black][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]